تنص القاعدة القانونية الأشهر على أن العقد هو شريعة المتعاقدين ، أي أن
لم يعرف المنظم السعودية في نظام المعاملات المدنية مفهوم القوة القاهرة ، بل ترك الأمر للفقه والقضاء ، ولهذا عرف الفقه القانوني القوة القاهرة بأنها هي الواقعة التي تنشأ باستقلال عن إرادة المدين ولا يكون باستطاعته توقعها أو منع حدوثها لأنها واقعة خارجية، ويترتب عليها استحالة الوفاء بالتزاماته العقدية.
نصت المادة (125) من نظام المعاملات المدنية على ( لا يكون الشخص مسؤولًا إذا ثبت أن الضرر قد نشأ عن سببٍ لا يد له فيه، كقوةٍ قاهرةٍ أو خطأ الغير أو خطأ المتضرر؛ ما لم يُتفق على خلاف ذلك.)
هذه المادة هي التطبيق المباشر لمبدأ القوة القاهرة في مجال المسؤولية عن الأضرار ، حيث تستخدم القوة القاهرة لدرء المسؤولية ودفع المطالبة بالتعويض ، فتعد القوة القاهرة هنا كـ "درع" يحمي الشخص من تحمل مسؤولية لم يساهم في إحداثها.
مثال عملي: يملك شخص مستودعًا لتخزين البضائع، ويقوم بتأمين المستودع وفقًا لمعايير السلامة المعتادة ، وثم يحدث زلزال عنيف في المنطقة (وهو حدث نادر وغير متوقع في تلك المنطقة بالذات)، مما يؤدي إلى انهيار جزء من سقف المستودع وسقوط الأنقاض على بضائع أحد العملاء المخزنة بالداخل، مما يتلفها بالكامل، ثم يرفع العميل دعوى ضد صاحب المستودع يطالبه فيها بتعويضه عن قيمة بضائعه التالفة، مستندًا إلى أن الضرر حدث في حيازة صاحب المستودع.
الحل: يقوم صاحب المستودع بالدفاع عن نفسه استنادًا إلى المادة (125)، ويقدم الأدلة على أن انهيار السقف لم يكن بسبب عيب في البناء أو إهمال في الصيانة، بل كان النتيجة المباشرة للزلزال، وهو "قوة قاهرة" لا يد له فيها ولا يمكنه دفعها؛ إذا اقتنعت المحكمة بذلك، فإنها تحكم بإعفاء صاحب المستودع من مسؤولية التعويض.
نصت المادة (97) من النظام على أنه :
1. إذا طرأت ظروف استثنائيةٌ عامَّةٌ لم يكن في الوسع توقعها وقت التعاقد وترتب على حدوثها أن يصير تنفيذ الالتزام التعاقدي مرهقًا للمدين بحيث يهدده بخسارةٍ فادحةٍ؛ فله -دون تأخرٍ غير مسوغ- دعوة الطرف الآخر للتفاوض.
2. طلب التفاوض لا يخول المدين الامتناع عن تنفيذ الالتزام.
3. إذا لم يُتوصل إلى اتِّفاقٍ خلال مدَّةٍ معقولةٍ؛ فللمحكمة تبعًا للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن ترد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول.
4. يقع باطلًا كل اتفاق على خلاف أحكام هذه المادة.
هذه المادة هي تجسيد مباشر لأثر القوة القاهرة كظرف استثنائي على العقود وهدفها تعديل العقد وإنفاذه ، وتشترط توافر الشروط التالية:
1. أن يطرأ ظرف استثنائي وعام: أي أنه نادر الحدوث ويخرج عن المجرى العادي للأمور ولا يخص المدين وحده يؤثر على شريحة واسعة من الناس أو على قطاع اقتصادي بأكمله (مثل جائحة كورونا).
2. ألا يكون بالإمكان توقعه: يجب أن يكون الحدث غير متوقع عند إبرام العقد؛ فلو كان متوقعًا أو محتملاً، يُفترض أن المتعاقدين قد أخذاه في الحسبان وقبلا مخاطره.
3. أن يجعل تنفيذ الالتزام مرهقًا وليس مستحيلاً: في هذه الحالة، لا يزال التنفيذ ممكنًا، ولكن كلفته أصبحت باهظة جدًا على المدين لدرجة أنها تتجاوز الخسارة التجارية المعتادة.
4. ألا يكون الإرهاق بسبب تقصير المدين: يجب أن يكون المدين حسن النية، وأن الإرهاق الذي يعاني منه لم يكن نتيجة إهماله أو سوء تقديره أو خطأ في إدارته.
فاذا تحققت تلك الشروط لا ينفسخ العقد، ولكن تتدخل المحكمة لتحقيق التوازن ، من خلال النظر إلى مصلحة المدين في عدم تكبده خسارة فادحة، ومصلحة الدائن في تنفيذ العقد والحصول على حقه ، وثم رد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول.
خلاصة القول: تعد القوة القاهرة أحد الأسباب الرئيسية لتعديل الالتزامات العقدية ورد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول ، ولهذا لم يغفل المنظم السعودي عن ذكرها في نظام المعاملات المدنية ، ونحن في شركة د. يوسف بن عبد الله الحمودي للمحاماة والاستشارات القانونية لدينا الخبرة الكافية في التعامل مع هذا النوع من الدعاوى وتمثيل عملاؤنا أمام المحاكم والترافع نيابة عنهم.
فلا تتردد في التواصل معنا.
المصادر :-
نظام المعاملات المدنية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/191) بتاريخ 29/11/1444ه.
https://laws.boe.gov.sa/BoeLaws/Laws/LawDetails/655fdb42-8c96-422b-b8c4-b04f0095c94c/1
كن أول من يشارك أفكاره!